الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****
56 - قسّم جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة - سنن الصّلاة باعتبار تأكّدها وعدمه وما يترتّب على تركها إلى نوعين: فقسّمها الحنفيّة إلى: سنن وآداب، والمقصود بالسّنن: هي السّنن المؤكّدة الّتي واظب عليها الرّسول صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الرّاشدون من بعده، وتركها يوجب الإساءة، والإثم إذا أصرّ على التّرك. والآداب: وهي السّنن غير المؤكّدة، وتركها لا يوجب إساءةً ولا عتاباً لكن فعلها أفضل. كما قسّمها المالكيّة إلى: سنن ومندوبات. فالسّنن: هي السّنن المؤكّدة. والمندوبات: هي السّنن غير المؤكّدة ويسمّونها - أيضاً - نوافل وفضائل ومستحبّات. وعند الشّافعيّة تنقسم إلى: أبعاض، وهيئات. فالأبعاض: هي السّنن المجبورة بسجود السّهو، سواء تركها عمداً أو سهواً، وسمّيت أبعاضاً لتأكّد شأنها بالجبر تشبيهاً بالبعض حقيقةً، والهيئات: هي السّنن الّتي لا تجبر. ولم يقسّمها الحنابلة بهذا الاعتبار وإنّما قسّموها باعتبار القول والفعل، فهي تنقسم عندهم إلى: سنن أقوال، وسنن أفعال وهيئات.
أ - رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام: 57 - اتّفق الفقهاء على أنّه يسنّ للمصلّي عند تكبيرة الإحرام أن يرفع يديه، لما روى ابن عمر: «أنّ رسول صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصّلاة». وقد نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على ذلك. واختلفوا في كيفيّة الرّفع. 58 - فذهب الحنفيّة إلى أنّه يرفع يديه حذاء أذنيه حتّى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه، وبرءوس الأصابع فروع أذنيه، ويستقبل ببطون كفّيه القبلة، وينشر أصابعه ويرفعهما، فإذا استقرّتا في موضع محاذاة الإبهامين شحمتي الأذنين يكبّر، فالرّفع يكون قبل التّكبير. وهذا في الرّجل، أمّا المرأة فإنّها ترفع يديها حذاء المنكبين، قالوا: ولا يطأطئ المصلّي رأسه عند التّكبير، فإنّه بدعة. ولو رفع المصلّي يديه فإنّه لا يضمّ أصابعه كلّ الضّمّ، ولا يفرّج كلّ التّفريج بل يتركها على ما كانت عليه بين الضّمّ والتّفريج. وصرّحوا بأنّه لو كبّر ولم يرفع يديه حتّى فرغ من التّكبير لم يأت به، وإن ذكره في أثناء التّكبير رفع، وإن لم يمكنه الرّفع إلى الموضع المسنون رفعهما قدر ما يمكن، وإن أمكنه رفع إحداهما دون الأخرى رفعها وإن لم يمكنه الرّفع إلاّ بزيادة على المسنون رفعهما. كما صرّحوا بأنّه لو اعتاد المصلّي ترك رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام فإنّه يأثم، وإثمه لا لنفس التّرك، بل لأنّه استخفاف وعدم مبالاة بسنّة واظب عليها النّبيّ صلى الله عليه وسلم مدّة عمره. قال ابن عابدين: الاستخفاف بمعنى التّهاون وعدم المبالاة، لا بمعنى الاستهانة والاحتقار، وإلاّ كان كفراً. 59 - وذهب المالكيّة إلى أنّ المصلّي يرفع يديه عند شروعه في الإحرام، فيكره رفعهما قبل التّكبير أو بعده، والرّفع يكون بحيث تكون ظهور يديه إلى السّماء وبطونهما إلى الأرض وبحيث ينتهي رفعهما إلى حذو المنكبين على المشهور، وقيل: انتهاؤها إلى الصّدر، وقيل: يرفعهما حذو الأذنين، وهما مقابلان للمشهور. وتسمّى صفة هذا الرّفع عندهم صفة الرّاهب - وهي المذهب - ومقابله صفتان: صفة الرّاغب: وهي بأن يجعل بطون يديه للسّماء، وصفة النّابذ: وهي أن يحاذي بكفّيه منكبيه قائمتين ورءوس أصابعهما ممّا يلي السّماء على صورة النّابذ للشّيء. والدّليل على أنّ اليدين تكون حذو المنكبين في الرّفع ما في حديث ابن عمر: «من أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصّلاة. والدّليل على أنّها تكون حذو الصّدر ما في حديث وائل بن حجر قال: «رأيت أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم إلى صدورهم في افتتاح الصّلاة». والدّليل على كونها حذو الأذنين حديث مالك بن الحويرث: «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم رفع يديه حتّى حاذى بهما أذنيه» وهذا في رفع الرّجل، أمّا المرأة فدون ذلك إجماعاً عندهم، قالوا: ويستحبّ كشفهما عند الإحرام وإرسالهما بوقار فلا يدفع بهما أمامه. ورفع اليدين عند المالكيّة من الفضائل على المعتمد وليس من السّنن. 60 - وعند الشّافعيّة يكون الرّفع حذو المنكبين، لحديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصّلاة» قالوا: ومعنى حذو منكبيه: أن تحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه، وراحتاه منكبيه، وقال الأذرعيّ: بل معناه كون رءوس أصابعه حذو منكبيه، فإن لم يمكن الرّفع إلاّ بزيادة على المشروع أو نقص منه أتى بالممكن منهما، فإن أمكنه الإتيان بكلّ منهما فالزّيادة أولى، لأنّه أتى بالمأمور وزيادة. فإن لم يمكنه رفع إحدى يديه رفع الأخرى، وأقطع الكفّين يرفع ساعديه، وأقطع المرفقين يرفع عضديه تشبيهاً برفع اليدين، وزمن الرّفع يكون مع ابتداء التّكبير في الأصحّ للاتّباع كما في الصّحيحين، سواء انتهى التّكبير مع الحطّ أو لا. وفي وجه: يرفع يديه قبل التّكبير ويكبّر مع ابتداء الإرسال وينهيه مع انتهائه، وقيل: يرفع غير مكبّر، ثمّ يكبّر ويداه مرتفعتان، فإذا فرغ أرسلهما من غير تكبير. وإن ترك الرّفع حتّى شرع في التّكبير أتى به في أثنائه لا بعده لزوال سببه. 61 - ومذهب الحنابلة: يرفع المصلّي يديه حذو منكبيه برءوسهما، ويستقبل ببطونهما القبلة، وهذا إذا لم يكن للمصلّي عذر يمنعه من رفعهما، أو رفع إحداهما إلى حذو المنكبين، لما روى ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصّلاة رفع يديه حتّى يكونا حذو منكبيه ثمّ يكبّر» وتكون اليدان حال الرّفع ممدودتي الأصابع، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصّلاة يرفع يديه مدّاً» مضمومةً، لأنّ الأصابع إذا ضمّت تمتدّ، ويكون ابتداء الرّفع مع ابتداء التّكبير وانتهاؤه مع انتهائه، لما روى وائل بن حجر أنّه: «رأى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التّكبير» ولأنّ الرّفع للتّكبير فكان معه، وإذا عجز عن رفع إحداهما رفع اليد الأخرى. وللمصلّي أن يرفعهما أقلّ من حذو المنكبين، أو أكثر منه لعذر يمنعه لحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم». ويسقط ندب رفع اليدين مع فراغ التّكبير كلّه، لأنّه سنّة فات محلّها، وإن نسيه في ابتداء التّكبير ثمّ ذكره في أثنائه أتى به فيما بقي لبقاء محلّ الاستحباب. والأفضل أن تكون يداه مكشوفتين، لأنّ كشفهما أدلّ على المقصود، وأظهر في الخضوع. ب - القبض " وضع اليد اليمنى على اليسرى ": 62 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّ من سنن الصّلاة القبض، وهو: وضع اليد اليمنى على اليسرى. وخالف في ذلك المالكيّة فقالوا: يندب الإرسال وكراهة القبض في صلاة الفرض. وجوّزوه في النّفل وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح: (إرسال، ف /4، 3 /94). وقد اختلف الفقهاء في كيفيّة القبض، ومكان وضع اليدين.
63 - فرّق الحنفيّة في كيفيّة القبض بين الرّجل والمرأة، فذهبوا إلى أنّ الرّجل يأخذ بيده اليمنى رسغ اليسرى بحيث يحلّق الخنصر والإبهام على الرّسغ ويبسط الأصابع الثّلاث. وقال الكاسانيّ: يحلّق إبهامه وخنصره وبنصره ويضع الوسطى والمسبّحة على معصمه، وأمّا المرأة فإنّها تضع الكفّ على الكفّ وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه يقبض بيده اليمنى على كوع اليسرى، «لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وضع اليمنى على اليسرى». وقال الشّافعيّة: يقبض بكفّه اليمنى على كوع اليسرى والرّسغ وبعض السّاعد، ويبسط أصابعها في عرض المفصل أو ينشرها صوب السّاعد، لما روى وائل بن حجر قال: «قلت لأنظرنّ إلى صلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كيف يصلّي فنظرت إليه وضع يده اليمنى على ظهر كفّه اليسرى والرّسغ والسّاعد».
64 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ مكان وضع اليدين تحت السّرّة، فيسنّ للمصلّي أن يضعهما تحت سرّته، لقول عليّ - رضي الله عنه -: «من السّنّة وضع الكفّ على الكفّ تحت السّرّة». قال الحنابلة: ومعنى وضع كفّه الأيمن على كوعه الأيسر وجعلها تحت سرّته أنّ فاعل ذلك ذو ذلّ بين يدي ذي عزّ، ونقلوا نصّ الإمام أحمد على كراهة جعل يديه على صدره. لكن الحنفيّة خصّوا هذا بالرّجل، أمّا المرأة فتضع يدها على صدرها عندهم. وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يسنّ وضع اليدين تحت الصّدر وفوق السّرّة، وهو مذهب المالكيّة في القبض في النّفل، لحديث وائل بن حجر: «صلّيت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره». قالوا: أي آخره فتكون اليد تحته بقرينة رواية «تحت صدره»، والحكمة في جعلهما تحت صدره: أن يكون فوق أشرف الأعضاء وهو القلب، فإنّه تحت الصّدر. قال الإمام: والقصد من القبض المذكور تسكين الجوارح، فإن أرسلهما ولم يعبث بهما فلا بأس، كما نصّ عليه في الأمّ. ج - دعاء الاستفتاح والتّعوّذ والبسملة: 65 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّ من سنن الصّلاة دعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام. لحديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصّلاة قال: سبحانك اللّهمّ وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدّك ولا إله غيرك»، ولما رواه عليّ بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «أنّه كان إذا قام للصّلاة قال: وجّهت وجهي للّذي فطر السّموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللّهمّ أنت الملك لا إله إلاّ أنت. أنتَ ربّي وأنا عبدُك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنّه لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلاّ أنت. واصرف عنّي سيّئها لا يصرف عنّي سيّئها إلاّ أنت. لبّيك وسعديك والخير كلّه بيديك، والشّرّ ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت وأستغفرك وأتوب إليك». وقد ورد في السّنّة الصّحيحة صيغ كثيرة في دعاء الاستفتاح غير هاتين الصّيغتين. وذهب المالكيّة إلى كراهة دعاء الاستفتاح، لحديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - يفتتحون الصّلاة بالحمد للّه ربّ العالمين» وحديث: «المسيء صلاته» وليس فيه استفتاح. وتفصيل الكلام على دعاء الاستفتاح في مصطلح: استفتاح (4 / 46). أمّا التّعوّذ بعد دعاء الاستفتاح وقبل القراءة فهو سنّة عند جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - لقوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}. وذهب المالكيّة إلى كراهته في الفرض دون النّفل وتفصيله في مصطلح: (استعاذة، ف /18 وما بعدها 4 /11). أمّا البسملة فللفقهاء في حكمها خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح: بسملة(ف 5 / 8 /86). د - قراءة شيء من القرآن بعد الفاتحة: 66 - ذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّه يسنّ للمصلّي أن يقرأ شيئاً من القرآن بعد الفاتحة. وقد اختلفوا في القراءة الّتي يحصل بها أصل السّنّة، فذهب المالكيّة إلى حصول السّنّة بقراءة ما زاد على الفاتحة، ولو آيةً - سواء كانت طويلةً أم قصيرةً ك {مُدْهَامَّتَانِ} - كما تحصل السّنّة بقراءة بعض آية على أن يكون لها معنىً تامّ في كلّ ركعة بانفرادها، والمستحبّ أن يقرأ سورةً كاملةً. وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى حصول السّنّة بقراءة آية واحدة، واستحبّ الإمام أحمد أن تكون الآية طويلةً: كآية الدّين وآية الكرسيّ لتشبه بعض السّور القصار. قال البهوتيّ: والظّاهر عدم إجزاء آية لا تستقلّ بمعنىً أو حكم نحو {ثُمَّ نَظَرَ}، أو {مُدْهَامَّتَانِ}. قال الشّافعيّة: والأولى أن تكون ثلاث آيات لتكون قدر أقصر سورة. ولا خلاف بينهم في أنّ السّورة الكاملة أفضل، وأنّه لا تجزئه السّورة ما لو قرأها قبل الفاتحة، لعدم وقوعها موقعها. وصرّح الشّافعيّة: بأنّه لا يجزئه تكرار الفاتحة عن السّورة، لأنّه خلاف ما ورد في السّنّة، ولأنّ الشّيء الواحد لا يؤدّى به فرض ونفل في محلّ واحد، إلاّ إذا كان لا يحسن غير الفاتحة وأعادها فإنّه يتّجه - كما قال الأذرعيّ - الإجزاء. وقد اتّفق الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - على أنّه يسنّ للمصلّي أن يقرأ في صلاة الصّبح بطوال المفصّل. لحديث جابر بن سمرة «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر ب {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ونحوها، وكانت صلاته بعد تخفيفاً». وهو مذهب الحنفيّة في الظّهر فيسنّ عندهم للمصلّي أن يقرأ في الظّهر بطوال المفصّل، لحديث أبي سعيد الخدريّ - رضي الله تعالى عنه - «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظّهر في الرّكعتين الأوليين في كلّ ركعة قدر ثلاثين». وذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ القراءة في الظّهر تكون دون قراءة الفجر قليلاً. قال الدّسوقيّ: يقرأ في الصّبح من أطول طوال المفصّل، وفي الظّهر من أقصر طوال المفصّل. وذهب الحنابلة إلى أنّه يقرأ في الظّهر من أوساط المفصّل، لما روي أنّ عمر كتب إلى أبي موسى " أن اقرأ في الصّبح بطوال المفصّل، واقرأ في الظّهر بأوساط المفصّل، واقرأ في المغرب بقصار المفصّل. وأمّا صلاة العصر، فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يقرأ فيها بأوساط المفصّل. وقال المالكيّة: يقرأ فيها بقصار المفصّل. واتّفقوا على أنّه يقرأ في المغرب بقصار المفصّل وفي العشاء بأوساطه، لما روى سليمان بن يسار عن أبي هريرة قال: «ما صلّيت وراء أحد أشبه صلاةً برسول اللّه صلى الله عليه وسلم من فلان. قال سليمان: كان يطيل الرّكعتين الأوليين في الظّهر، ويخفّف الأخريين، ويخفّف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصّل، ويقرأ في العشاء بأوساط المفصّل، ويقرأ في الصّبح بطوال المفصّل». واختلف في بيان المفصّل طواله وأوساطه وقصاره. وتفصيل ذلك في مصطلح: (سورة، وقراءة)
67 - اتّفق الفقهاء على أنّ محلّ القراءة المسنونة هو الرّكعتان الأوليان من صلاة الفرض، لحديث أبي قتادة - رضي الله تعالى عنه - «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الرّكعتين الأوليين من الظّهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، ويسمعنا الآية أحياناً، ويقرأ في الرّكعتين الأخريين بفاتحة الكتاب». قال المالكيّة: وإنّما تسنّ السّورة في الفرض الوقتيّ المتّسع وقته، أمّا إذا ضاق الوقت بحيث يخشى خروجه بقراءتها فإنّه يجب عليه ترك القراءة محافظةً على الوقت. وانظر تفصيل محلّ القراءة في صلاة النّفل في مصطلح: (صلاة التّطوّع) وقراءة المأموم في (صلاة الجماعة). كما يسنّ تطويل القراءة في الرّكعة الأولى على الثّانية في الصّلوات المفروضة عند جمهور الفقهاء " المالكيّة، والشّافعيّة، والحنابلة، ومحمّد بن الحسن ". وذهب الحنفيّة إلى أنّه إنّما تسنّ إطالة الرّكعة الأولى على الرّكعة الثّانية في صلاة الفجر فقط دون بقيّة الصّلوات المفروضة، فلا تسنّ إطالتها. هـ – التّأمين: 68 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّأمين بعد قراءة الفاتحة سنّة، لحديث أبي هريرة مرفوعاً: «إذا قال الإمام: {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} فقولوا آمين. فإنّه من وافق قوله قول الملائكة غفر ما تقدّم له من ذنبه». وقد صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّ المصلّي يأتي بالتّأمين بعد سكتة لطيفة ليتميّز عن القراءة، فيعلم أنّها ليست من القرآن، وإنّما هي طابع الدّعاء. وقالوا: لا يفوت التّأمين إلاّ بالشّروع في غيره، فإن ترك المصلّي التّأمين حتّى شرع في قراءة السّورة لم يعد إليه، لأنّه سنّة فات محلّها، وعند الشّافعيّة قول بفواته بالرّكوع. ثمّ إنّ التّأمين سنّة للمصلّي - عموماً - سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً، واستثنى المالكيّة من ذلك الإمام في الصّلاة الجهريّة، فإنّه لا يندب له التّأمين، وكذا المأموم إن لم يسمع إمامه يقول: {وَلاَ الضَّالِّينَ} وإن سمع ما قبله، ونصّوا على كراهته حينئذ ولا يتحرّى على الأظهر، لأنّه لو تحرّى لربّما أوقعه في غير موضعه، ولربّما صادف آية عذاب، ومقابله يتحرّى، وهو قول ابن عبدوس. والسّنّة عند الحنفيّة والمالكيّة أن يأتي المصلّي بالتّأمين سرّاً سواء كان إماماً أم مأموماً أم منفرداً، فالإتيان بالتّأمين سنّة، والإسرار بها سنّة أخرى، قال الحنفيّة: وعلى هذا فتحصل سنّيّة الإتيان بها ولو مع الجهر بها. قال المالكيّة: لأنّه دعاء، والأصل فيه الإخفاء. وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الإمام والمأموم والمنفرد يجهرون بالتّأمين في الصّلاة الجهريّة ويسرّون به في الصّلاة السّرّيّة. وصرّحوا: بأنّه إذا ترك الإمام التّأمين، أو أسرّه عمداً أو سهواً أتى به المأموم ليذكّره فيأتي به. و - تكبيرات الانتقال: 69 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة - إلى أنّ تكبيرات الانتقال سنّة من سنن الصّلاة، لحديث: «المسيء صلاته» فإنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يأمره بتكبيرات الانتقالات وأمره بتكبيرة الإحرام. أمّا الحنابلة فيرون أنّ تكبيرات الانتقال من الواجبات. وينظر مصطلح: (تكبير). ز - هيئة الرّكوع المسنونة: 70 - أقلّ الواجب في الرّكوع: أن ينحني قدر بلوغ راحتيه ركبتيه، وكمال السّنّة فيه: أن يسوّي ظهره وعنقه وعجزه، وينصب ساقيه وفخذيه، ويأخذ ركبتيه بيديه معتمداً باليدين على الرّكبتين، مفرّقاً أصابعه، ويجافي مرفقيه عن جنبيه. لحديث عقبة بن عمرو: «أنّه ركع فجافى يديه، ووضع يديه على ركبتيه، وفرّج بين أصابعه من وراء ركبتيه وقال: هكذا رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلّي». وزاد الحنفيّة: إلصاق الكعبين، ثمّ إنّهم خصّوا هذه الهيئة بالرّجل، أمّا المرأة فتنحني في الرّكوع يسيراً، ولا تفرّج، ولكن تضمّ وتضع يديها على ركبتيها وضعاً، وتحني ركبتيها، ولا تجافي عضديها، لأنّ ذلك أستر لها. وهو واجب عند الحنابلة، وسبق تفصيل هيئات الرّكوع وأذكاره في مصطلح: (ركوع). ح - التّسميع والتّحميد: 71 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة - إلى سنّيّة التّسميع عند الرّفع من الرّكوع، والتّحميد عند الاستواء قائماً. والسّنّة عند المالكيّة التّسميع فقط، أمّا التّحميد فهو مندوب عندهم. وذهب الحنابلة إلى وجوب التّسميع والتّحميد، كما سبق بيانه في واجبات الصّلاة. ثمّ إنّ الفقهاء اختلفوا في المصلّي الّذي يسنّ له التّسميع والتّحميد. فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الإمام يسمّع فقط، والمأموم يحمد فقط، والمنفرد يجمع بينهما، فلا يحمد الإمام ولا يسمّع المأموم، لما روى أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه - أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الإمام: سمع اللّه لمن حمده، فقولوا: ربّنا لك الحمد» فالنّبيّ صلى الله عليه وسلم قسم بينهما، والقسمة تنافي الشّركة. قال المالكيّة: فالإمام مخاطب بسنّة فقط، والمأموم مخاطب بمندوب فقط، والفذّ مخاطب بسنّة ومندوب وخالف صاحبا أبي حنيفة، فذهبا إلى أنّ الإمام يجمع بين التّسميع والتّحميد لحديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يجمع بينهما»، ولأنّه حرّض غيره فلا ينسى نفسه، قال ابن عابدين: المتون على قول الإمام. وصرّحوا بأنّ أفضل صيغ التّحميد: اللّهمّ ربّنا ولك الحمد، قال الحنفيّة: ثمّ اللّهمّ ربّنا لك الحمد، ثمّ ربّنا ولك الحمد، ثمّ ربّنا لك الحمد. وصيغة اللّهمّ ربّنا ولك الحمد هي ما اختاره الإمام مالك وابن القاسم، وروى أشهب عن مالك: اللّهمّ ربّنا لك الحمد، وعنده رواية ثالثة: ربّنا ولك الحمد، ورابعة: ربّنا لك الحمد. وذهب الشّافعيّة إلى أنّ التّسميع والتّحميد سنّة للجميع: الإمام والمأموم والمنفرد. وصرّحوا بأنّ أفضل صيغ التّحميد ربّنا لك الحمد، لورود السّنّة به. قال الشّربينيّ الخطيب: لكن قال في الأمّ: ربّنا ولك الحمد أحبّ إليّ، أي لأنّه جمع معنيين: الدّعاء والاعتراف. أي ربّنا استجب لنا، ولك الحمد على هدايتك إيّانا. قالوا: ولو قال: من حمد اللّه سمع له كفى في تأدية أصل السّنّة، لأنّه أتى باللّفظ والمعنى، لكن التّرتيب أفضل. ومذهب الحنابلة أنّ التّسميع واجب على الإمام والمنفرد دون المأموم، والتّحميد واجب على الجميع - إمام ومأموم ومنفرد - وأفضل صيغ التّحميد عندهم: ربّنا ولك الحمد، ثمّ ربّنا لك الحمد. قالوا: وإن شاء قال: اللّهمّ ربّنا لك الحمد، وأفضل منه: اللّهمّ ربّنا ولك الحمد، ولو قال: من حمد اللّه سمع له لم يجزئه، لتغيير المعنى.
72 - صرّح الشّافعيّة والحنابلة بأنّه يسنّ للمصلّي بعد التّحميد أن يقول: " ملء السّموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد " لما روى عبد اللّه بن أبي أوفى قال: «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الرّكوع قال: سمع اللّه لمن حمده، اللّهمّ ربّنا لك الحمد، ملء السّموات، وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد». وله أن يزيد: " أهل الثّناء والمجد أحقّ ما قال العبد، وكلّنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ "، لما روى أبو سعيد الخدريّ قال: «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الرّكوع. قال اللّهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّموات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثّناء والمجد. أحقّ ما قال العبد - وكلّنا لك عبد - اللّهمّ لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ». ونصّ الحنابلة بأنّ له أن يقول غير ذلك ممّا ورد، كما جاء في حديث عبد اللّه بن أبي أوفى «عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول، وفي لفظ: يدعو إذا رفع رأسه من الرّكوع اللّهمّ لك الحمد ملء السّماء وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد. اللّهمّ طهّرني بالثّلج والبرد والماء البارد. اللّهمّ طهّرني من الذّنوب والخطايا، كما ينقّى الثّوب الأبيض من الوسخ». وصرّح الشّافعيّة باستحباب زيادة: حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه. لحديث رفاعة بن رافع قال: «كنّا نصلّي يوماً وراء النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلمّا رفع رأسه من الرّكعة قال: سمع اللّه لمن حمده، قال رجل وراءه: ربّنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيّباً مباركاً فيه. فلمّا انصرف قال: من المتكلّم؟ قال: أنا، قال: لقد رأيت بضعةً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيّهم يكتبها أوّل». ح م - رفع اليدين عند الرّكوع والرّفع منه، والقيام للرّكعة الثّالثة: 73 - اختلف الفقهاء في مشروعيّة رفع اليدين عند الرّكوع والرّفع منه، وعند القيام من التّشهّد الأوّل للرّكعة الثّالثة، فاتّفق الشّافعيّة والحنابلة على مشروعيّة رفع اليدين عند الرّكوع والرّفع منه، وأنّه من سنن الصّلاة، لما روى ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: «رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصّلاة رفع يديه حتّى يكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبّر للرّكوع ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الرّكوع». وعن الحسن: «أنّ أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا يفعلون ذلك». وكان عمر " إذا رأى رجلاً لا يرفع يديه حصّبه، وأمره أن يرفع. قال البخاريّ: رواه سبعة عشر من الصّحابة، ولم يثبت عن أحد منهم عدم الرّفع. وقال السّيوطيّ: الرّفع ثابت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم من رواية خمسين صحابيّاً. وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يندب رفع اليدين عند القيام من التّشهّد للرّكعة الثّالثة، وهي رواية عن الإمام أحمد، لما روى نافع: «أنّ ابن عمر كان إذا دخل في الصّلاة كبّر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال سمع اللّه لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الرّكعتين رفع يديه. ورفع ذلك ابن عمر إلى نبيّ اللّه صلى الله عليه وسلم». والرّواية الثّانية عن أحمد هي عدم الرّفع. قال في الإنصاف: وهو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم. وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى عدم مشروعيّة رفع اليدين إلاّ عند تكبيرة الإحرام، فلا يشرع رفعهما عند الرّكوع أو الرّفع منه، أو القيام للثّالثة. لحديث البراء - رضي الله تعالى عنه- أنّه قال: «رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حين افتتح الصّلاة، ثمّ لم يرفعهما حتّى انصرف» وعن جابر بن سمرة قال: «خرج علينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: مالي أراكم رافعي أيديكم كأنّها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الصّلاة» وقال عبد اللّه بن مسعود - رضي الله تعالى عنه -: «ألا أصلّي بكم صلاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم فصلّى ولم يرفع يديه إلاّ في أوّل مرّة». ط - كيفيّة الهُوِيّ للسّجود والنّهوض منه: 74 - ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّه يسنّ عند الهويّ إلى السّجود أن يضع المصلّي ركبتيه أوّلاً، ثمّ يديه، ثمّ جبهته وأنفه، لما روى وائل بن حجر رضي الله عنه قال: «رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه» قال التّرمذيّ: والعمل عليه عند أكثرهم. ولأنّ هذه الكيفيّة أرفق بالمصلّي. وأحسن في الشّكل ورأي العين. والمعتمد عند الحنفيّة أنّه يضع جبهته ثمّ أنفه، وقال بعضهم: أنفه ثمّ جبهته. وعند النّهوض من السّجود يسنّ العكس عند الحنفيّة والحنابلة، وذلك بأن يرفع جبهته أوّلاً ثمّ يديه ثمّ ركبتيه لحديث وائل بن حجر المتقدّم. قال الحنابلة: إلاّ أن يشقّ عليه الاعتماد على ركبتيه، لِكِبَر أو ضَعْفٍ أو مرض، أو سِمَنٍ ونحوه، فيعتمد بالأرض، لما روى الأثرم عن عليّ قال: «من السّنّة في الصّلاة المكتوبة إذا نهض أن لا يعتمد بيديه على الأرض إلاّ أن يكون شيخاً كبيراً لا يستطيع». وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يسنّ أن يعتمد في قيامه من السّجود على يديه، مبسوطتين على الأرض، لأنّه أبلغ خشوعاً وتواضعاً، وأعون للمصلّي، وسواء في ذلك القويّ والضّعيف. وذهب المالكيّة إلى ندب تقديم اليدين عند الهُويِّ إلى السّجود، وتأخيرهما عند القيام، لما روى أبو هريرة مرفوعاً: «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه». قالوا: ومعناه أنّ المصلّي لا يقدّم ركبتيه عند هويّه للسّجود كما يقدّمهما البعير عند بروكه، ولا يؤخّرهما في القيام كما يؤخّرهما البعير في قيامه. ى - هيئة السّجود المسنونة: 75 - كيفيّة السّجود المسنونة: أن يسجد المصلّي على الأعضاء السّبعة: الجبهة مع الأنف، واليدين والرّكبتين، والقدمين - ممكّناً جبهته وأنفه من الأرض، وينشر أصابع يديه مضمومةً للقبلة، ويفرّق ركبتيه، ويرفع بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويجافي عضديه عن جنبيه، ويستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة. وقد تقدّم بيان ذلك عند الكلام على الأركان. ك - التّشهّد الأوّل وقعوده: 76 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى سنّيّة التّشهّد الأوّل وقعوده لخبر الصّحيحين: «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قام من ركعتين من الظّهر ولم يجلس، فلمّا قضى صلاته كبّر وهو جالس فسجد سجدتين قبل السّلام ثمّ سلّم» فدلّ عدم تداركهما على عدم وجوبها. وذهب الحنفيّة والحنابلة إلى وجوبهما كما سبق في واجبات الصّلاة. ل - صيغة التّشهّد: 77 - سبق خلاف الفقهاء في التّشهّد الأخير، فهو عند الشّافعيّة والحنابلة ركن، وعند الحنفيّة واجب، وعند المالكيّة سنّة. واختلفوا - أيضاً - في صيغته المسنونة. (ر: تشهّد). م - الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد التّشهّد " الصّلاة الإبراهيميّة " 78 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في التّشهّد الأخير سنّة، وعند المالكيّة خلاف في أنّ المشهور: هل هي سنّة أو فضيلة؟ وأفضل صيغ الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم عند الحنفيّة هي: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد، وعلى آل محمّد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنّك حميد مجيد. وهي - أيضاً - أفضل صيغ الصّلاة عند المالكيّة لكن بحذف (إنّك حميد مجيد) الأولى. وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد التّشهّد الأخير ركن كما سبق بيانه. وقد أخذ الحنابلة بصيغة «حديث كعب بن عجرة»، وهي أفضل الصّيغ عندهم. ولكن يتحقّق ركن الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بقول: " اللّهمّ صلّ على محمّد ". وصرّحوا بأنّه لا يجوز إبدال آل بأهل، لأنّ أهل الرّجل أقاربه أو زوجته، وآله أتباعه على دينه. وقال الشّافعيّة: أقلّ الصّلاة على النّبيّ: اللّهمّ صلّ على محمّد وآله في التّشهّد الأخير، والسّنّة: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد. وقد وردت الأحاديث بكلّ هذه الصّيغ. وقد سبق حكم تسويد النّبيّ صلى الله عليه وسلم في مصطلح: (تسويد ف / 7 / 11 / 346). ن - الدّعاء بعد التّشهّد الأخير: 79 - يسنّ للمصلّي بعد التّشهّد الأخير أن يدعو بما شاء لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذا قعد أحدكم في الصّلاة فليقل: التّحيّات للّه - إلى آخره، ثمّ يتخيّر من المسألة ما شاء، أو ما أحبّ». وفي رواية للبخاريّ: «ثمّ يتخيّر من الدّعاء أعجبه إليه فيدعو به». وفي رواية أخرى لمسلم «ثمّ ليتخيّر بعد من المسألة ما شاء». وهو عند المالكيّة مندوب وليس بسنّة. وصرّح الحنفيّة بأنّ المصلّي يدعو بالأدعية المذكورة في الكتاب والسّنّة، على أنّه لا ينوي القراءة إذا دعا بأدعية القرآن لكراهة قراءة القرآن في الرّكوع والسّجود والتّشهّد. ولا يدعو بما يشبه كلام النّاس. والأفضل الدّعاء بالمأثور، ومن ذلك ما روي عن أبي بكر - رضي الله تعالى عنه أنّه قال لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «علّمني دعاءً أدعو به في صلاتي فقال: قل: اللّهمّ إنّي ظلمت نفسي ظلماً كثيراً وإنّه لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت. فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنّك أنت الغفور الرّحيم». وما روى أبو هريرة مرفوعاً: «إذا فرغ أحدكم من التّشهّد الآخر فليتعوّذ باللّه من أربع، من عذاب جهنّم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شرّ المسيح الدّجّال». س - كيفيّة الجلوس: 80 - اختلف الفقهاء في هيئة الجلوس المسنونة في الصّلاة. فذهب الحنفيّة إلى التّفريق بين الرّجل والمرأة، فالرّجل يسنّ له الافتراش، والمرأة يسنّ لها التّورّك. لا فرق في ذلك بين التّشهّد الأوّل أو الأخير، أو الجلسة بين السّجدتين. وذهب المالكيّة إلى أنّ هيئة الجلوس المسنونة في جميع جلسات الصّلاة هي التّورّك سواء في ذلك الرّجل أو المرأة. وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يسنّ التّورّك في التّشهّد الأخير، والافتراش في بقيّة جلسات الصّلاة، لحديث أبي حميد: «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الرّكعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الرّكعة الآخرة قدّم رجله اليسرى ونصب الأخرى، وقعد على مقعدته» وفي رواية «فإذا كانت الرّابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض، وأخرج قدميه من ناحية واحدة». والحكمة في المخالفة بين الأخير وغيره من بقيّة الجلسات: أنّ المصلّي مستوفز فيها للحركة، بخلافه في الأخير، والحركة عن الافتراش أهون. والافتراش: أن ينصب قدمه اليمنى قائمةً على أطراف الأصابع بحيث تكون متوجّهةً نحو القبلة، ويفرش رجله اليسرى بحيث يلي ظهرها الأرض، جالساً على بطنها. والتّورّك: كالافتراش. لكن يخرج يسراه من جهة يمينه، ويلصق وركه بالأرض. انظر مصطلح تورّك (14 / 148) ومصطلح: جلوس (ف 11 - 13، 15 / 267). ع - جلسة الاستراحة: 81 - ذهب الشّافعيّة إلى أنّه يسنّ بعد السّجدة الثّانية جلسة للاستراحة في كلّ ركعة يقوم منها، لما روى مالك بن الحويرث: «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يجلس إذا رفع رأسه من السّجود قبل أن ينهض في الرّكعة الأولى». وذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة - إلى كراهة فعلها تنزيهاً لمن ليس به عذر، وقد سبق تفصيل الكلام عليها في مصطلح: (جلوس ف /12، 15 /266). ف - كيفيّة وضع اليدين أثناء الجلوس: 82 - يسنّ للمصلّي أثناء الجلوس أن يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى بحيث تساوي رءوس أصابعه ركبتيه،وتكون أصابعه منشورةً إلى القبلة. قال الحنفيّة: مفرّجةً قليلاً، وقال الحنابلة: مضمومةً. وقد اتّفق الفقهاء على أنّه يسنّ للمصلّي أن يشير بسبّابته أثناء التّشهّد، وإن اختلفوا في كيفيّة قبض اليد والإشارة. قال ابن عابدين: ليس لنا سوى قولين: الأوّل: وهو المشهور في المذهب بسط الأصابع بدون إشارة. الثّاني: بسط الأصابع إلى حين الشّهادة فيعقد عندها ويرفع السّبّابة عند النّفي ويضعها عند الإثبات. ويرى الشّافعيّة أن يقبض المصلّي أصابع يده اليمنى ويضعها على طرف ركبته إلاّ المسبّحة فيرسلها، ويقبض الإبهام بجنبها بحيث يكون تحتها على حرف راحته، لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا قعد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى،ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثةً وخمسين وأشار بالسّبّابة». وذهب الحنابلة - وهو قول عند الشّافعيّة - إلى أنّ المصلّي يحلّق بين الوسطى والسّبّابة لما روى وائل بن حجر: «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وضع حدّ مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، وعقد ثلاثين، وحلّق واحدةً، أشار بأصبعه بالسّبّابة». ومحلّ الرّفع عند الشّافعيّة عند قوله: إلاّ اللّه، فيرفع المسبّحة عند ذلك للاتّباع كما في صحيح مسلم، ويميلها قليلاً كما قاله المحامليّ وغيره. ويقيمها ولا يضعها. ويسنّ - أيضاً - أن يكون رفعها إلى القبلة ناوياً بذلك التّوحيد والإخلاص، وفي تحريكها عندهم روايتان. وقال الحنابلة: يشير بسبّابته مراراً، كلّ مرّة عند ذكر لفظ (اللّه) تنبيهاً على التّوحيد، ولا يحرّكها لفعله صلى الله عليه وسلم قالوا: ولا يشير بغير سبّابة اليمنى ولو عدمت. وقال الشّافعيّة: بكراهة الإشارة بسبّابة اليسرى ولو من مقطوع اليمنى. وعدّ المالكيّة الإشارة بالسّبّابة من المندوبات. ويندب تحريك السّبّابة يميناً وشمالاً دائماً - لا لأعلى ولا لأسفل - في جميع التّشهّد. وأمّا اليسرى فيبسطها مقرونة الأصابع على فخذه.
83 - سبق في أركان الصّلاة أنّ السّلام ركن عند جمهور الفقهاء. واجب عند الحنفيّة، وقد ذكر الفقهاء للسّلام سنناً منها: أن يسلّم مرّتين: مرّةً عن يمينه ومرّةً عن يساره، ويسلّم عن يمينه أوّلاً، بحيث يرى بياض خدّه الأيمن، وعن يساره ثانياً، بحيث يرى بياض خدّه الأيسر، يراه من خلفه. وقد قال الحنابلة: بفرضيّة التّسليمتين، وقال الحنفيّة: بوجوبهما، وذهب المالكيّة، والشّافعيّة إلى أنّه يتأدّى الفرض بتسليمة واحدة. والسّنّة أن يقول: " السّلام عليكم ورحمة اللّه " مرّتين. وقد صرّح الحنفيّة بكراهة كلّ صيغة تخالف هذه الصّيغة، وزاد بعضهم لفظ " وبركاته ". وقال الشّافعيّة: لا تسنّ زيادة " وبركاته ". وقال الحنفيّة: الأولى تركه، لحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يسلّم عن يمينه وعن يساره: السّلام عليكم ورحمة اللّه، السّلام عليكم ورحمة اللّه، حتّى يرى بياض خدّيه». ولحديث ابن أبي وقّاص - رضي الله تعالى عنه عنه - قال: «كنت أرى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسلّم عن يمينه ويساره، حتّى أرى بياض خدّه». وصرّح المالكيّة والشّافعيّة بأنّه يبتدئ السّلام مستقبل القبلة، ثمّ يلتفت ويتمّ سلامه بتمام التفاته.
84 - اختلف الفقهاء في مشروعيّة القنوت في صلاة الفجر. انظر تفصيل ذلك في مصطلح (صلاة الفجر: قنوت).
|